البوكمال في العهد العثماني

عشائر البوكمال

استعرضنا في فقرات سابقة ان العقيدات قبيلة يمنية هاجرت الى نجد و من نجد الى مصر ثم عادت الى نجد و من نجد انطلقت الى الفرات مع قبائل زبيد و من ثم انفصلت و عادت ادراجها الى حمص و حماه و نتيجة الصراع على ديرة الشنبل بين بطون البادية قرر قسم من العقيدات الرحيل من حمص و حماه و التوجه الى دير الزور و قسم تفرق في انحاء حمص و حماه و ادلب و دمشق.
قدم البوكامل من العقيدات بقيادة علي الظاهر من سلمية و قبل قدومهم كانوا عشيرة من مجموعة عشائر تتألف منها العقيدات وهي ( البوكامل – البوكمال –البو سيف – البو مكمل – البو هرموش – الدهامشة – الضامن – الحمد الدريس.
في عام 1836 عين ارسلان باشا حاكما لدير الزور وكان محنكاً حيث أقام علاقات ودية مع العقيدات وعاملهم بلطف ولين وأسس قائمم قامية سماها قائم مقامية العربان وأقام القشل العسكرية على طريق حلب بغداد وأجرى مفاوضات مع العقيدات كان يهدف منها نشرهم على ضفتي الفرات والاستقرار فيه وأعفاهم من الجندية والضرائب ووضع سراية خاصة من الجند البغالة و عين اهم شيوخهم عبد الله العلي الظاهر في قائم مقامية العربان و من بعده ولده هفل و منح قسم من آل النجرس القاب عثمانية خاصة (بيك) و بذلك خضعت عشائر البوجامل بشكل مطلق للتوجهات العثمانية.


عشائر البوكمال و العثمانيين

عندما انشأ العثمانيون مراكز حماية المحطات التجارية على طريق حلب بغداد كان مخفر الصالحية احد المخافر التي انشأت على هذا الطريق فبالاضافة لعناصر الجندرما سكنت عشائر البوكمال قرب هذا المخفر و انشأت لها سور و بدأت تشكل قوة احتياطية للمخفر .
وضع في البوكمال سرايا من الجند البغالة لحماية القوافل التجارية المارة بالمنطقة بمساعدة شيوخ المنطقة في الصالحية واسندت حماية المركز لعشائر البوكمال . وفي عام 1859 جاء إلى دير الزور والياً ثريا باشا ملك زادة الذي الحق دير الزور بولاية حلب ومارس الشدة مع العقيدات بعد أن كانت دير الزور سنجق تابع للاستانة وتضم الفرات والجزيرة وتدمر وقسم من لواء الموصل .
عندما وصل العقيدات الى دير الزور بقيوا عشائر متنقلة تعتمد على تربية الإبل و الأغنام ففي فصل الشتاء و الربيع ينطلقون في حماد البادية ووديانها و في الصيف يحضرون الى شاطيء الفرات و يبنون السيابيط اتقاءا لحره و كعادة العثمانيين في تفريق القبائل و تشتيتها و بث الفرقة بين ابنائها لم تسلم العقيدات من هذا التوجه و هذه السياسة فعندما احدثت قائم مقامية العربان بدير الزور عيّنت عبد الله العلي الظاهر والد هفل عضوا في قائم مقامية العربان مما اثار حفيظة الشيخ حويش الدندل
بدأ حويش الدندل يثير المشاكل مع الجندرما العثمانية وبقطع طرق القوافل التجارية المارة إلى بغداد من حلب وبالعكس مما أثار غضب العثمانيين و قرروا تسيير حملات عسكرية للقبض على حويش الدندل و تأديبه عسكريا و توجه حويش و عرب البوجمال الى الحماد هربا من الحملات العثمانية.
بعد ان يئس العثمانيون من القضاء على حويش الدندل خاصة بعد ان استجروا احد ابناء عمومته و هو حسين الجراح وولده عبد الله اللذان انفصلا عن حويش و بدءا يسعيان مع العثمانيين و مع هفل العبد الله و الشيخ منديل الذي تزوج عبد الله الحسين ابنته عدله الى تثبيت دعائم العثمانيين في الصالحية عندها بدأ العثمانيون بإرسال رسلهم لمفاوضة حويش الدندل
بقي حويش الدندل وبقية عشائر البوكمال متنقلا في بادية البوكمال و صنف من قبل العثمانيين بانه من شيوخ البادية والحماد .
ناصب حويش الدندل العثمانيين العداء وبدء بقطع الطرق ونهب القوافل مما شكل حالة مقلقة للدولة العثمانية فسيرت عدة حملات تأديبية ضده لكنها لم تفلح من النيل منه فعمدت الدولة العثمانية إلى اتباع سياسة اللين والمهادنة وارسلت له لمقابلة والي حلب ثريا باشا عام 1864 الذي حضر إلى دير الزور للتفاوض مع شيوخ البادية والحماد حيث ادخل رؤساء عشائر العقيدات اعضاء في القائم مقاميات في دير الزور والبوكمال ماعدا الشيخ حويش الدندل شيخ عشائر البوكمال الذي ارتفع بعربه إلى الحماد رافضاً التوطين.
بعد ان حضر ثريا باشا والي حلب إلى دير الزور عام 1864 وأعلن تأسيس الحكومة في دير الزور واحدث قائم مقامية العربان وكان من اعضاءها هفل العبدالله وعين رواتب لشيوخ العشائر الحاضرين لقاء حماية الأمن وكان قد سبقه في القدوم إلى دير الزور حملة عسكرية بقيادة عمر بيك ابن منقور واصطحبت معها أمير الموالي احمد بيك ورئيس عشيرة اللهيب عليوي السحاب ورئيس عشيرة بني سعيد فحل الخليل وشيخ عشيرة الولدة في الشامية فرج السلامة وشيخ الولدة في الجزيرة أبو رسان الحمد وشيخ عشيرة الحديديين صالح الجرخ وشيخ العفادلة شلاش العلي
وقدطلب عمر بيك من شيوخ العشائر احضار قبائلهم وتوطينها على الفرات بناءا على اوامر سلطانية فوافق قسم منهم ورفض الباقي ذلك
ومن بين الشيوخ الذين رفضوا الخضوع لثريا باشا بالاضافة إلى حويش الدندل الشيخ عبد الكريم الجربا شيخ شمر والشيخ شلاش العلي من العفادلة والشيخ حجو ناصر الملحم من الولدة والشيخ جدعان المهيد شيخ الفدعان والشيخ عبد الله السليمان شيخ البو سرايا من العقيدات وعبيد اللطحة عن العقيدات مما اثار انزعاج ثريا باشا الذي كان جلفاً وقاسياً وبدأ بتسيير حملات عسكرية ضد عرب هؤلاء الشيوخ لم تجد نفعاً وبعد ان استلم بعده ارسلان باشا بدأ عهده بسياسة اللين والعطف وبنا علاقات ودية مع كافة شيوخ القبائل وفي عام 1869 استدعى ارسلان باشا الشيوخ الذين رفضوا التوطين وهم الشيخ حويش الدندل والشيخ عبد الكريم الجربا والشيخ عبد الله السليمان والشيخ شلاش العلي والشيخ حجو ناصر الملحم والشيخ جدعان ابن مهيد إلى مبنى الولاية في دير الزور واضافهم ضيافة كريمة واظهر لهم الود وفاتحهم بنهاية الزيارة انه استدعاهم كونهم شيوخ البادية والحماد وان السلطان عبد المجيد خان اصدر امراً عليهم ان ينفذوه وطلب اليهم العمل على جعل قبائلهم تترك حياة الرعي والتنقل وتبدأ حياة الاستقرار في المزارع السلطانية لاعمارها وبعد اخذ ورد رفض هؤلاء الشيوخ اوامره مما اغضبه واصدر تعليماته بسجنهم بسجن دير الزور لمدة اربع شهور وعندما يأسوا من الخلاص وفشل كل الوساطات مع الوالي لاخلاء سبيلهم اشار عليهم الشيخ حجو ناصر الملحم وكان مثقفاُ وخريج الازهر ان يستعملوا الحيلة مع هذا الوالي ويطلبوا لقائه ويبدو له الرغبة في تنفيذ توجيهات السلطان وبعد خروجهم يكون لهم الخيار في قراراتهم فاستساغ الجميع الفكرة وارسلوا رسالة مع احد حراس السجن إلى الوالي يطلبون لقائه فاجتمع بهم وابلغوه موافقتهم بموجب تعهد خطي جرى ختمه باختامهم الذهبية وتعهدوا بان اي اخلال بالعهد يكون عقوبته الاعدام وبعد خروجهم رحل عبد الكريم الجربا إلى الموصل وبدأ يثير المشاكل ضد العثمانيين هناك حتى القوا القبض عليه واعدموه اما جدعان المهيد فقد رحل بعربه إلى جبل الشبيح في حلب وبقي حتى تصالح فيما بعد هو والعثمانيين اما حجو الناصر فقد رحل بعربه إلى المعرة حيث صديقه مفتي المعرة محمد افندي الجندي الذي درس معه في الازهر وبقي شلاش العلي هاربا في بادية الرقة وكذلك عبدالله السليمان وحويش الدندل الذين توجهوا بعربهم إلى بادية الحماد وبدأ العثمانيون تسيير حملات عسكرية لالقاء القبض عليهم وعندما فشلوا بذلك ارسل ارسلان باشا اليهم مرة ثانية وتضمنت دعوته عقد صلح مع هؤلاء الشيوخ وتعهد بعدم ايذائهم وانه يريد ان يستمع اليهم فقط وقد تعهد مسلط باشا من شيوخ الجبور لحويش الدندل بضمان سلامته وهو الذي كان وسيط بين حويش الدندل والوالي ارسلان باشا فتوجه الشيخ حويش الدندل وشلاش العلي وعبدالله السليمان وحجو الناصر واجتمعوا مع الوالي الذي اكرمهم غاية الاكرام واقام لهم مادبة كبيرة وبعدها استفسر منهم عن سبب عدم استيطانهم كما فعل بقية شيوخ العقيدات .
فاجابه حويش ان اسباب ذلك تعود انكم اعفيتم شيوخ البدو من الجندية ولم تعفوا قبائلنا منها فنحن ان ذهب شبابنا فمن يبقى يدافع عن نسائنا وحلالنا من غزو القبائل الاخرى
فاجابه الوالي انني موافق على اعفائكم من الجندية وسيصدر امر سلطاني بذلك فتحدث شلاش العلي اننا نريد اعفائنا من الضرائب لمدة من الزمن ريثما تستقر قبائلنا على الفرات فوافق الوالي على ذلك وانصرف الشيوخ إلى قبائلهم وطلبوا منهم الاستيطان وسط فرحة أبناء هذه القبائل بما تحقق
فاستوطن البوشعبان في الرقة وعبدالله السليمان في الشميطية وتوجه حويش الدندل إلى البوكمال وبنى بيت الشعر في ساحة البوكمال الحالية وبدأت تتوافد عشائر البوكمال إليه معبرة عن فرحتها بما حققه حويش من انجاز حيث القول المشهور (عرب حويش ما تعطي سيار )
بعد نجاح المفاوضات بين والي دير الزور وحويش الدندل عاد حويش الدندل إلى البوكمال وبنا مضاربه في موقع ساحة البوكمال الحالي وتشكلت قائم مقامية في البوكمال برئاسة قائم مقام احمد نوري افندي وعضوية وجهاء البوكمال وهم عبد الله الحسين عن الدميم ومحمد الدندل عن الحسون وخلف آغا ومحمد آغا وتشكل مجلس دعاوي وقضاء بعضوية اهويدي من البقعان وحديد من الحسون وسليمان الصبيخان وعبد الحليم اغا من المدينة
وبعد وفاة حويش الدندل استلم مشيخة عشائر البوكمال شقيقه محمد الدندل اتسمت فترته بالهدوء وتوفي في نهاية الحكم العثماني عام 1915 واستلم بعده ابنه عبد المحمد الدندل الذي استلم الحكم في مدينة البوكمال بعد رحيل العثمانيين باسم الحكومة العربية حتى عام 1919 حيث دخل الانكليز البوكمال فتصدى لهم عبد الدندل في معركة غير متكافئة في سهل ضبيعة استشهد خلالها عبد الدندل ليكون اول شهيد في المنطقة من شيوخ العشائر بيد القوى الغربية